الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} مجازٌ عن عدمِ الاكتراثِ بهلاكِهم والاعتدادِ بوجودِهم، فيهِ تهكمٌ بهِم وبحالهم المنافيةِ لحالِ من يعظمُ فقدُه فيقال له بكتْ عليه السماءُ والأرضُ، ومنْهُ (ما رُويَ إنَّ المؤمنَ ليبكي عليه مُصَّلاهُ ومحلُّ عبادتِه ومصاعدُ عملِه ومهابطُ رزقِه واثارُه في الأرضِ)، وقيلَ: تقديرُه أهلُ السماءِ والأرضِ.{وَمَا كَانُواْ} لمَّا جاءَ وقتُ هلاكِهم {مُّنظَرِينَ} ممهلينَ إلى وقتٍ أخرَ أو الى الآخرة، بلْ عُجِّلَ لهم في الدُّنيا. اهـ.
{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكٍيمٍ} يكتب من أمِّ الكتاب في هذه الليلة ما يحل في السنة كلّها من أقسام الحوادث في الخير والشرِّ، في المحن والمِنَنِ، في النصر والهزيمة، في الخصب والقحط.و لهؤلاء القوم (يعني الصوفية) أحوالٌ من الخصب والجدب، والوصل والفصل، والوفاق والخلاف، والتوفيق والخذلان، والقبض والبسط. فكم مِنْ عبدٍ ينزل له الحكم والقضاء بالبُعْدِ والشقاء، واخر ينزل حكمه بالرِّفد والوفاء.{أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)}.{رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ}: وهي الرسول- صلى الله عليه وسلم، قال صلوات الله عليه: «أنا رحمة مهداة».ويقال: {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} رحمةً لنفوسُ أوليائنا بالتوفيق، ولقلوبهم بالتحقيق.{إِنَّهُ هو السميع الْعَلِيمُ}: {السميع} لأنين المشتاقين، {العليم} بحنين المحبين.{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)}.مالك السموات والأرضين، ومالك ما بينهما- وتداخل في ذلك اكسابُ العباد.وتَمْلُّكُها بمعنى القدرة عليها، وإذا حَصَلَ مقدورٌ في الوجود دَلَّ على أنه مفعوله؛ لأن معنى الفعل مقدورٌ وجِدَ.قوله جلّ ذكره: {لا إِلَه إِلاَّ هو يُحىِ وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ ورَبُّ ءَآبائكم الأولين}.هذه الكلمة فيها نَفْيُ ما أثبتوه بجهلهم، وإثباتُ ما نَفَوْه بجحدهم.{رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَآبائكم الأولين}: مُرَبِّي أصْلَكُم ونَسْلَكُمْ.قوله جل ذكره: {بَلْ هُمْ في شَكٍّ يَلْعَبُونَ}.اللَّعِبُ فِعْلٌ يجري على غير ترتيبٍ تشبيهًا باللُّعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص؛ فَوَصَفَ المنافقَ باللَّعبِ؛ وذلك لتردُّدِه وتحيُّرِه نتيجةَ شكِّه في عقيدته.قوله جل ذكره: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينَ}.هذا من اشراط الساعة؛ إذ يتقدم عليها.وقيامة هؤلاء (يقصد الصوفية) معجَّلة (أي تتم هنا في هذه الدنيا) فيومُهم الذي تأتي السماء فيه بدخان مبين هو يوم غيبةِ الأحباب، وانسداد ما كان مفتوحًا من الأبواب، أبوابِ الأنسِ بالأحباب في معناه قالوا: قوله جل ذكره: {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.وعذابُ هؤلاء (يقصد الصوفية) مقيمٌ في الغالب، وهو عذابٌ مُسْتَعذْبٌ، أولئك يقولون:{رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}.وهؤلاء يستزيدون- على العكس من الخَلْق- العذاب، وفي ذلك يقول قائلهم: فهم يٍسألون البلاََءَ والخَلْقُ يستكشفونه، ويقولون: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رسول مُبِينٌ (13)}.إن خالفوا دواعي قلوبهم من الخواطر التي تَرِدُ من الحقِّ عليهم عوقبوا- في الوقت بما لا يتَّسعُ لهم ويُسْعِفهم، فإذا أخذوا في الاستغاثة يقال لهم: أنَّى لكم الذكرى وقد جاءكم الرسول على قلوبكم فخالفتم؟!قوله جلّ ذكره: {إِنَّا كَاشِفُوا العَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}.حيث نورثكم حزنًا طويلًا، ولاتجدون في ظلال انتقامنا مقيلًا.قوله جل ذكره: {ولقد فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رسول كَرِيمٌ أَنْ أَدُّواْ إلَىَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّى لَكَمْ رسول أَمِينٌ}.فتَنَهم بعد ما أصَرُّوا على جحودهم ولم يرجعوا إلى طريق الرشد من نفرة عنودهم.{وَجَاءهُمْ رسول كَرِيمٌ}: يطالبهم بإزالة الظلم عن بني إسرائيل، وأن يستبصروا، واستنفرهم لله، وأظهر الحُجَّةَ من قِبَلِ الله.{فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَبَعُونَ}.أمَرَه بأن يَسْرِيَ بعباده المؤمنين، وعرَّفهم أنهم سيُنْقَذون، وأنَّ عدوَّهم {جُندٌ مُّغْرَقُونَ}.قوله جل ذكره: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}.ما خلفوه من أحوالهم ومن رياشهم، وما تركوه من أسباب معاشهم استلبناه عنهم.{كَذِلَكَ وأورثناها قَوْمًا ءَآخرين}.وأسْكَنَّا قومًا آخرين في منازلهم ودورهم.قوله جل ذكره: {فَمَا بَكَتْ عَليْهِمُ السَّمَاءُ والأرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ}.لم يكن لهم من القَدْرِ والخَطَرِ ما يتحرك في العالَم بِسببَهم ساكنٌ، أو يسكن متحركٌ فلا الخضراء بسببهم اغبرَّتْ، ولا الغبراءُ لغيبتهم اخضَّرتْ. لم يبقَ منهم عينٌ ولا أثر، ولم يظهر مِنْ قِبَلِهم على قلبِ أحدٍ من عبادِنا أثرٌ. وكيف تبكي السماءُ لفقْدِ من لم تستبشر به من قَبْلُ؟ بعكس المؤمن الذي تُسَرُّ السماءُ بصعود ِعمله إليها، فإنها تبكي عند غيابه وفَقْدِه. اهـ.
|